فأُوْصِيْكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تعالى، فَبِالتَّقْوَى: تُدْفَعُ البَلايا والنَكَبَات، وتُجْلَبُ الخَيْراتُ والبَرَكات؛ (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)[الطلاق:2-3].
عِبَادَ الله: إِنَّهُ مَنْزِلٌ لا نَمْلِكُهُ؛ لِأَنهُ مَنْزِلٌ بِالإِيْجَار، وَنَحْنُ رَاحِلُونَ عَنْهُ إلى دَارِ القَرَار؛ إِنَّهَا الدُّنْيا.
وَكُلُّ ما فِي الدُّنْيَا زَائِلٌ عَنْهَا إِلَّا ما كانَ لله فَإِنَّهُ يَبْقَى (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا)[الكهف:46]، قالَ العُلَمَاءُ: "البَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ: هِيَ الأَعْمَالُ والأَقْوَالُ الصَّالِحَةُ، الَّتِي يَبْقَى ثَوَابُهَا، وَيَدُوْمُ جَزَاؤُهَا". وَفِي الحَدِيْث: "الدُّنيَا مَلعُونَةٌ، مَلعُونٌ مَا فِيهَا: إِلَّا ذِكرُ اللَّهِ، وَمَا وَالَاهُ، وَعَالِمٌ أَوَ مُتَعَلِّمٌ"(رواه الترمذي وَحَسَّنَهُ الألباني)، قالَ ابْنُ القَيِّم: "وَلَمَّا كَانَت الدُّنْيَا حَقِيْرة عِنْد الله، لا تُسَاوِي جَنَاحَ بَعُوْضَة كَانَتْ وَمَا فِيهَا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ مِنْهُ؛ وَهَذَهِ حَقِيقَةُ اللَّعْنَة. وَمَا كَانَ طَرِيقًا إِلَيْهِ مِنَ الْعِلْمِ والتَّعَلُّمِ؛ فَهُوَ الْمُسْتَثْنى مِنَ اللَّعْنَة".
وَنِسْبَةُ الدُّنْيَا إِلَى الآخِرَة كَنِسْبَةِ ما يَرْجِعُ بِهِ الإِصْبَعُ إِذَا غُمِسَ في البَّحْر، قال -صلى الله عليه وسلم-: "وَاللهِ مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ؛ إِلَّا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ فِي الْيَمِّ؛ فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ؟"(رواه مسلم).