وأجملُ أوقاتِ الخَلوةِ باللهِ تلكَ اللحظاتُ التي تكونُ في الأسحارِ عندما تهدأُ الأصواتُ، ويحلُّ السكونُ، وَقْتَ نزولِ الرَّبِ المعبودِ إلى السماءِ الدنيا، حيثُ يناديْ: هل من سائلٍ؟ فأعطيَه، هل من تائبٍ؟ فأتوبَ عليه، هل من مُستغفرٍ؟ فأغفرَ له، ذلك الوقتُ الذي تتذوَّقُ فيه النفوسُ لَذَّةَ الذكرِ والفكرِ والتدبّرِ والتأمُّلِ والقُرْبِ.
أيُّها المؤمنونَ: لقد كانَ نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- يُحبُّ الخلوةَ بربِّهِ؛ لمناجاتِه وذكْرِه ودُعائِه، وكانَ يَغلِبُ عليه البكاءُ في خلوتِه؛ محبةً وشوقًا وهيبةً ورهبةً, وتعظيمًا وإجلالاً لمولاهُ، فعن عبدِ اللهِ ابن الشِّخِّيرِ، قال: "أتيتُ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَهوَ يصلِّي, ولجوفِهِ أزيزٌ كأزيزِ المِرجَلِ"(رواه النسائي وصححه الألباني)؛ يعني: يبكي.
وكان -صلى الله عليه وسلم- أشدَّ الناسِ خشيةً لربِّهِ، وأعظمَهم رجاءً فيه، وأكثرَهم حبًّا له، وكانَتْ أحبَّ الأوقاتِ إليه تلكَ الساعاتِ التي يَعْتزلُ فيها الناسُ؛ ليَأْنَسَ بمناجاةِ خالقِه.