وقومُ سبَأ الذين أدامَ الله علَيهم النِّعَم، وصرَفَ عنهم مِن النِّقَم، وقد رزَقَهم
الله الجنَّتَين العظيمتَين وما فيها مِن الثِّمار، وجعلَ بلدَهم طيبةً لحُسن هوائِها،
وقِلَّة وخَمِها، وحُصُول الرِّزقِ الرَّغَد فيها. بدلًا مِن أن يشكُرُوا اللهَ،
بطِرُوا النِّعمةَ وملُّوها، حتى طلَبُوا أن تتباعَدَ أسفارُهم بين تلك القُرَى
التي كان السَّيرُ فيها مُتيسِّرًا، فملُّوا حتى الأمنَ والأمانَ الذي كانُوا فيه.
فعاقَبَهم الله، فأرسَلَ عليهم سَيلَ العَرِم الذي خرَّبَ السدَّ، وأتلَفَ جنَّاتهم،
فتبدَّلَت تلك الجنَّات ذاتُ الحدائِق المُعجِبة، والأشجارِ المُثمِرة، وصارَ
بدلَها أشجارٌ لا نفعَ فيها.
معاشِر المُسلمين:
إنَّ المَلَل مِن نعمةِ الله آفةٌ عظيمةٌ، قد يخسَرُ العبدُ بسبَبِها ما هو فِيه،
ويُصبِحُ في حالٍ يتمنَّى لو أن قد رضِيَ بما كان عليه.
يقولُ ابنُ القيِّم - رحمه الله - مُتحدِّثًا عن هذه الآفَة: مِن الآفات الخفِيَّة
العامَّة: أن يكون العبدُ في نعمةٍ أنعمَ الله بها علَيه، واختارَها له،
فيمَلَّها ويطلُبَ الانتِقالَ مِنها إلى ما يزعُمُ لجهلِه أنَّه خيرٌ له مِنها، وربُّه برحمتِه
لا يُخرِجُه مِن تلك النِّعمة، ويعذُرُه بجَهلِه وسُوءِ اختِيارِه لنفسِه، حتى إذا
ضاقَ ذَرعًا بتِلك النِّعمة وسخِطَها وتبرَّمَ بها، واستحكَمَ ملَلُه لها،
سلَبَه الله إيَّاها، فإذا انتقَلَ إلى ما طلَبَه، ورأَى التفاوُتَ بين ما كان فيه
وما صارَ إلَيه، اشتدَّ قلَقُه وندَمُه، وطلَبَ العودةَ إلى ما كان فيه.
فإذا أرادَ الله بعَبدِه خيرًا ورُشدًا، أشهَدَه أنَّ ما هو فيه نِعمةٌ علَيه،
ورضَّاه به، وأوزَعَه شُكرَه علَيه .