الحمدُ لله خالق الكَون، وبارِي البريَّات، ومُقسِّم الأرزاق والأقوات،
ومانِح العطايا والهِبات، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له يُعطِي
مَن يشاءُ بفضلِه، ويمنَعُ مَن يشاء بحِكمتِه، لا مانِعَ لِما أعطَى، ولا مُعطِي لِما منَع،
ولا ينفَعُ ذا الجَدِّ مِنه الجَدُّ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه رضِيَ بما
أعطاه الله، وقنِعَ بما كتَبَ له، وكان شاكرًا في السرَّاء، صابِرًا في الضرَّاء،
صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه أجمعين،
ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتَّقُوا اللهَ - عباد الله -؛ فبتقوَاه تُعصَمُون مِن الضلالة، وتُحفَظُون
مِن الغِواية، وتنالُون عِزَّ الدنيا وسعادةَ الآخرة.
أيها المُسلمون:
إنَّ معايِشَ العِباد وأرزاقَهم الدنيويَّة، وأُعطياتهم في الحياة بيَدِ الله وحدَه،
وهو الذي يُقسِّمُها بين عِبادِه، قال تعالى:
{ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ }
[الرعد: 26].
قال البغويُّ - رحمه الله -:
أي: يُوسِّعُ على مَن يشاءُ، ويُضيِّقُ على مَن يشاءُ، وله الحِكمةُ والعدلُ التامُّ .
ومِن حكمتِه - سبحانه -: أن فاوَتَ بين الناسِ في أرزاقِهم، واختلَفَ
عطاؤُه مِن عبدٍ إلى آخر، فيُعطِي هذا ما يمنَعُه غيرَه، والعكس،
وقد لا يُدرِكُ المرءُ النِّعمَ التي أنعمَها الله عليه، فلا يرَاها شيئًا،
وقد يُؤدِّي به ذلك إلى المَلَل ولسآمة والضَّجَر، فيُريدُ أن يتحوَّل عنها إلى غَيرِها.
ولنا في الماضِين عِبرةٌ وعِظة؛ فبنُو إسرائيل الذين طلَبُوا مِن نبيِّ الله
مُوسَى - عليه السلام - أن يكون لهم طعامٌ بدلًا مِن المَنِّ والسَّلوَى الذي
لم يعُودُوا يصبِرُوا علَيه، بل ملُّوا، فاستبدَلُوا بذلك ما هو أدنَى؛ مِن
البُقُول والقِثَّاء والفُوم والعَدَس والبصَل، فتحوَّلُوا عن خيرِ الأطعِمة
وأشرَفِها إلى ما طلَبُوا مِن الأدنَى.