{ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي }
[طه: 25].
وابتدأَ - سبحانه - تعدادَ نعمِه على نبيِّنا مُحمدٍ - صلى الله عليه وسلم –
بذلك، فقال:
{ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ }
[الشرح: 1].
وإذا عظُمَ الشيءُ تعدَّدَت أسبابُه، وكان تحصِيلُه أيسَر، وأتمُّ الأسبابِ
وأكمَلُها ما دلَّ عليه الشرعُ وأرشَدَ إليه، ولا أعظمَ في تحقيقِ انشِراحِ
الصدُور مِن العلمِ بالله وأسمائِه وصِفاتِه وتوحيدِه - سبحانه - بالعبادة،
وعلى حسب كمالِ ذلك وقوَّتِه يكونُ انشِراحُ صدرِ صاحبِه وانفِساحُه.
قال ابنُ القيِّم - رحمه الله -:
قال بعضُ أهل العلم: فكَّرتُ فيما يسعَى فيه العُقلاء، فرأَيتُ سعيَهم كلَّه في
مطلُوبٍ واحدٍ - وإن اختلَفَت طُرُقهم في تحصِيلِه -، رأيتُهم جميعًا إنَّما
يسعَون في دفعِ الهمِّ والغمِّ عن نفوسِهم، ولكنَّ الطُّرُق كلُّها غيرُ مُوصِلةٍ
إليه، بل ولعلَّ أكثَرَها إنَّما يُوصِلُ إلى ضدِّه، ولم أرَ في جميعِ هذه الطُّرُق
طريقًا مُوصِلةً إلا الإقبالَ على الله، ومُعاملتَه وحدَه، وإيثارَ مرضاتِه على
كلِّ شيء؛ فليسَ للعبدِ أنفَعُ مِن هذه الطريقِ ولا أوصَلَ مِنها إلى لذَّته
وبهجَته وسعادتِه .
وأكمَلُ الخلقِ في كلِّ صِفةٍ يحصُلُ بها اتِّساعُ القلبِ: نبيُّنا مُحمدٌ
- صلى الله عليه وسلم -، وأكمَلُ الخلق مُتابعةً له أكمَلُهم انشِراحًا ولذَّة ونعيمًا،
ورأسُ الأسبابِ الجالِبة لانشِراح الصدرِ: الإيمانُ والعملُ الصالِحُ؛
فبِهما صلاحُ القلب والجوارِح، واستِقامة الباطِن والظاهِر،
وبذلك الحياةُ الطيبةُ، والسعادةُ الدائِمة، قال تعالى:
{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً }
[النحل: 97].