رواه البخاري مِن حديثِ عليٍّ - رضي الله عنه -.
فأرشَدَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ابنتَه فاطمةَ - رضي الله عنها –
إلى أنَّ ذِكرَ الله يُقوِّي الأبدانَ، ويحصُلُ لها بسبب هذا الذِّكر الذي علَّمَها
قوَّةً، فتقدِرُ على الخِدمة أكثر مما يقدِرُ الخادِمُ.
قال ابنُ حجرٍ - رحمه الله -:
ويُستفادُ مِن قولِه:
( ألا أدُلُّكما على خيرٍ مما سألتُما؟ ):
أنَّ الذي يُلازِمُ ذِكرَ الله يُعطَى قوَّةً أعظمَ مِن القوَّة التي يعملُها له الخادِمُ،
أو تسهُلُ الأمورُ عليه؛ بحيث يكون تعاطِيه أمورَه أسهل مِن تعاطِي
الخادِم لها .
معاشِر المُسلمين:
لقد فطِنَ أولياءُ الله وتيقَّنُوا أنَّ ذِكرَهم لله هو قُوتُهم، وأنَّ حاجةَ أرواحِهم
للغِذاء أحوَجُ مِن حاجةِ أجسادِهم، بل إنَّ المادة التي تستمِدُّ مِنها أبدانُهم
قُواها هي زادُ أرواحِهم؛ فقُلوبُهم مُعلَّقةٌ بالله، وألسِنتُهم تلهَجُ بذِكرِ الله
دائِمًا.
جاء في صحيح مسلم مِن حديث جابرِ بن سمُرَة،
أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلَّى الفجرَ جلَسَ في مُصلَّاه،
حتى تطلُعَ الشمسُ حسَنًا .
قال أبو العباسِ القُرطبيُّ - رحمه الله -:
هذا الفِعلُ مِنه - صلى الله عليه وسلم - يدُلُّ على استِحبابِ موضِعِ
صلاةِ الصُّبحِ للذِّكر والدُّعاء إلى طُلوع الشمسِ؛ لأنَّ ذلك الوقت وقتٌ لا
يُصلَّى فيه، وهو بعد صلاةٍ مشهُودة، وأشغالُ اليوم بعدُ لم تأتِ، فيقعُ
الذِّكرُ والدُّعاءُ على فراغِ قلبٍ، وحُضورِ فهمٍ، فيُرتجَى فيه قبُولُ الدُّعاء، وسماعُ الأذكار .
وعن الوليد بن مُسلم - رحمه الله - قال:
رأيتُ الأوزاعيَّ يثبُتُ في مُصلَّاه يذكُرُ اللهَ حتى تطلُعَ الشمسُ، ويُخبِرُنا
عن السَّلَف أنَّ ذلك كان هَديَهم، فإذا طلَعَت الشمسُ قامَ بعضُهم إلى بعضٍ،
فأفاضُوا في ذِكرِ الله والتفقُّه في دينِه .
وقال ابنُ القيِّم - رحمه الله - عن شيخِه ابن تيمية - رحمه الله -:
وحضَرتُه مرَّةً صلَّى الفجرَ، ثم جلَسَ يذكُرُ اللهَ تعالى إلى قريبٍ مِن
انتِصافِ النَّهار، ثم التفَتَ إلَيَّ وقال: هذه غَدوَتِي، ولو لم أتغَدَّ الغداءَ سقَطَت قُوَّتِي .
تُرَى مَن اعتادَ هذا العملَ يبدأُ يومَه ذاكِرًا لله، مُنطَرِحًا بين يدَي مولاه،
ذِلَّةً وخُضوعًا، ورغبةً ورجاءً .. كيف يكون سائِرَ يومه؟
وكيف يكون نشاطُه وحالُه؟ وقد عُلِمَ أنَّ الذِّكرَ يُقوِّي القلبَ والبدنَ.
وما بالُكم إذا كان الذِّكرُ مما يجمعُ فيه العبدُ بين الذِّكر القوليِّ
والذِّكر البدنيِّ؛ كصلاةِ الليلِ تجمعُ الذِّكرَين، بل تجمعُ كثيرًا مِن الأذكار:
القرآن الكريم، والأدعية، وتعظيم الله، كلُّ هذه الأمور
- ولا شكَّ - تزيدُ العبدَ قوَّةً بدنيَّةً، وقوَّةً معنويَّةً.