حُجَّاج بيت الله الحرام! ها أنتُم فرَغتُم مِن أعمالِ حجِّكم، وأدَّيتُم مناسِكَكم.
تقبَّل الله منَّا ومِنكم، وجعلَ حجَّكم مقبُولًا، وذنبَكم مغفُورًا، وسعيَكم مشكُورًا،
وأعادَكم إلى بلادِكم وأهلِيكم سالِمين غانِمين، وفي رِعايةِ الله محفُوظين،
وأصلَحَ بالَكم، وأحسَنَ مُنقلبَكم ومثواكم.
معاشِر الحُجَّاج:
ولعلَّكم وقد تنقَّلتُم في هذه العرَصَات المُقدَّسة، والمشاعِر المُعظَّمة،
واجتهدتم في أعمالِكم وعباداتِكم، ترجُون مِن ربِّكم المغفرةَ والقبُول،
ولقد قال ربُّ العِزَّة في هذه الأعمال:
{ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ }
[الحج: 37]،
وقال - عزَّ شأنُه -:
{ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ }
[الحج: 32]،
ويقولُ - جلَّ وعلا -:
{ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى }
[البقرة: 197].
إنَّ أهمَّ ما يجِبُ أن ينظُرَ فيه المُسلمُ ويتفكَّرَ فيه - حفِظَكم الله - هو تحقيقُ التقوَى،
ولا يكون ذلك إلا بالنظر في أعمال القلوب.
أعمالُ القلوب مِن أعظم أصول الإيمان وقواعِده العِظام، مِن محبَّة الله
ومحبَّة رسولِه محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وإخلاصِ الدينِ لله،
والتوكُّل عليه، والصبرِ على حُكمه، والخوفِ مِنه، والرجاءِ فيما عندَه.
ولقد قال - عليه الصلاة والسلام -:
( ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضغَة إذا صلَحَت صلَحَ الجسَدُ كلُّه، وإذا
فسَدَت فسَدَ الجسَدُ كلُّه، ألا وهي القلبُ ).