إنَّ الإنسان متى كان على قوَّة بصيرةٍ وكمال يقينٍ بوعدِ الله
- جلَّ وعلا -، فحينئذٍ لا يلتَفِتُ إلى ما يُخوِّفُه متى عمِلَ الأسبابَ،
- وتوكَّلَ على مُسبِّبِ الأسبابِ، بل إنَّه بذلك يفُوزُ بمقاصِدِه
ويظفَرُ بكل مطالِبِه.
إنَّ العبدَ متى فوَّضَ أمرَه إلى الله - جلَّ وعلا -، وقطَعَ قلبَه عن
العلائِقِ بالخلقِ، وقامَ بما شرَعَه الله - جلَّ وعلا - له مِن الأسبابِ
الحسِّيَّة والشرعيَّة، صارَ ذا همَّةٍ عالِيةٍ قد وطَّأَ نفسَه على ركوبِ
المصاعِبِ، وهانَت عليه الشدائِدُ؛ لأنَّه على يقينٍ جازِمٍ بوعدِ الله –
جلَّ وعلا - له بقولِه:
{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ }
[الطلاق: 2، 3].
قال أحدُ السَّلَف:
لو أنَّ رجُلًا توكَّلَ على الله بصدقِ النيَّة، لاحتاجَ إليه الأُمراءُ فمَن دُونَهم .
وكيف يحتاجُ ومولاهُ الغنيُّ الحميدُ؟!
إنَّ المُتوكِّل على الله، المُفوِّض إليه - سبحانه - أمورَه كلَّها، يرَى الدنيا
والآخرة مُلكًا لله - عزَّ وجل -، والخلقَ عبيدًا لله، والأرزاقَ والأسبابَ
كلَّها بيدِ الله، ويرَى قضاءَ الله نافِذًا في جميعِ خلقِه، ولهذا أمرَ الله –