اللهُ أكبرُ - عباد الله -! كَم مِن مُسلمٍ تكالَبَت عليه الهُموم، فتوضَّأَ وتطهَّر،
ثم قصَدَ إلى زاويةٍ في بيتِه، أو مشَى إلى مسجِدِه فصلَّى ما كُتِبَ له،
أو تلَا مِن كتابِ ربِّه ما تيسَّرَ له؛ فانزاحَت هُمومُه، وقامَ كأنَّما نشِطَ
مِن عِقال؟!
وكَم مِن مُسلمٍ اضطَجَعَ على جنبِه الأيمَن في فِراشِه، وقرأَ بعضَ آياتٍ،
أو تلَا بعضَ الأوراد؛ فنامَ قريرَ العينِ، محفُوظًا بحفظِ الله؟!
وكَم مِن مُسلمٍ أصابَه قلَقٌ أو وحشَةٌ، فاستَأنَسَ بآياتٍ مِن كتابِ ربِّه؛
فوجَدَه نِعمَ الأنِيس، وخيرَ الجلِيس؟!
وكَم مِن مُسلمٍ نالَه فقرٌ، أو مسَّه جُوعٌ؛ فوجَدَ في كِتابِ الله شِبَعَه
وغِناه؟!
الصالِحُون الطيبُون المُحسِنُون، المشَّاؤُون للمساجِد هم المُطمئنُّون
بذِكرِ الله، وهم الأقوَى والأقدَرُ على مصاعِبِ الحياةِ وتقلُّباتها،
لا تُعكِّرُ التقلُّبات طُمأنينتَهم، ولا تستَثِيرُ المُنغِّصاتُ سَكينتَهم.
معاشِرَ المُسلمين:
هذا هو حالُ أهل الإيمانِ والصلاحِ، بينَما يتعذَّبُ الملايينُ مِن البشَر،
يلهَثُون وراء المُسكِّنات والمُنوِّمات، والعيادات والمُستشفيات،
ويبحَثُون في الكُتُب والمقالات، أقلَقَهم القلق، وفقَدَت نفوسُهم الأمن،
قلِقُون مِن المَوتِ، يخافُون مِن الفشَل، جزِعُون مِن الفقر، وَجِلُون
مِن المرض .. إلى غير ذلك مما تجرِي به المقادِيرُ على جميعِ الخلائِقِ.
القلَقُ - حفِظَكم الله وسلَّمَكم - انفِعالٌ واضطِرابٌ داخِلَ النفسِ،
يُعانِي مِنه الإنسانُ حين يشعُرُ بالخوفِ أو الخطَرِ مِن حاضِرٍ أو
مُستقبَلٍ، والإنسانُ القَلِقُ يعيشُ حياةً مُظلِمة، مع سُوءِ الظنِّ بمَن
حولَه وبما حولَه، تغلُبُ عليه مشاعِرُ الضِّيق، والتشاؤُم، والتوتُّر،
وعدم الثِّقة، والاضطِراب.
وفي القَلِقِين مَن يرَى الناسَ عُدوانيين حاسِدين حاقِدِين، حتى قالُوا:
إن وراءَ مُرتكِبِ الجريمةِ قلَقًا دفَعَه إلى اقتِرافِها، إما خوفٌ مِن موتٍ،
أو خوفٌ مِن جُوعٍ، أو خوفٌ مِن فقرٍ، أو خوفٌ مِن مرضٍ، أو غير
ذلك مِن الدوافِعِ والهواجِسِ التي تمتلِئُ بها الحياةُ.
هذا القلِقُ المُضطرِبُ قد جعلَ الدنيا أكبرَ همِّه، فزادَ قلقُه، وطالَ أرَقُه،
ومَن كانت الدنيا همَّه جعلَ الله فقرَه بين عينَيه، ولم يأتِهِ مِن
الدنيا إلا ما كُتِبَ له.
هُدوءُ النفسِ وراحةُ البالِ - يا عباد الله - نعمةٌ عظيمةٌ، لا يعرفُ قيمتَها
إلا مَن فقَدَها، ومَن أصابَه الأرَقُ أو دبَّ إليه القلَقُ عرفَ معنى هذه النِّعمة،
{ وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ }
[الروم: 23].