وهذا أنسُ بن مالكٍ - رضي الله عنه - يقول:
كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُكثِرُ أن يقول:
( يا مُقلِّبَ القلوب ! ثبِّت قلبي على دينِك
فقلتُ: يا نبيَّ الله ! آمنَّا بك وبما جئتَ به، هل تخافُ علينا؟
قال: نعم، إن القلوبَ بين أُصبعين من أصابِع الله يُقلِّبُها كيف يشاء )
أخرجه الترمذي في "جامعه"، وابن ماجه في "سننه" بإسنادٍ صحيح.
وإذا كان - صلواتُ الله وسلامُه عليه - قد خشِيَ على هذه الثُّلَّة المؤمنة
والطليعَة الراشِدة، مع ما بلغَت من رسُوخ الإيمان، وقوَّة اليقين، وصِدق العبوديَّة،
ومع كونِ قرنِها خيرَ القرون فكيف بمن جاءَ بعدهم من أهل العُصور؟!
لاسيَّما هذا العصر الذي أطلَّت فيه الفتن، وتتابعَت على المُسلمين المِحَن،
فأقبلَت راياتُ الباطل، وخفقَت ألوِيةُ الضلال مُبهرَجةً لامِعة،
وعصفَت بالقلوبِ رِيحُ الشُّبُهات والشهَوات،
وفُتِح على الناس من أبوابهما ما لا مُنتهَى له،
وانبعَثَ سيلٌ من المُغرِيات المُغوِيات فيما يُقرأُ ويُسمعُ ويُرَى، وتوطَّدَت سُبُل الغِواية،
واستحكمَت واتَّخذَت من سائر الشهوات المُحرَّمات عمادًا ومحورًا.
ودأَبَ فريقٌ من الناس على الاستِهانة بالثوابِت، والاستِخفاف بالقطعيَّات؛
كالطَّعن في القرآن وكماله، أو في بعض أحكامه،
أو في أهلِه وحمَلَته وحُفَّاظه ودُور تحفيظِه وحلَقَاته، أو في الرسالة وخَتمِها وعُمومها،
وصلاحها للعالمين في كل حينٍ، أو في الرسول - صلواتُ الله وسلامُه عليه -،
أو في سُنَّته وسيرتِه، أو في نجاح دعوتِه.