{ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ }
[ المؤمنون: 71 ].
إن الله - جل وعلا - حينما أكملَ لهذا الأمةِ دينَها لم يدَع لها خيرًا إلا دلَّها عليه،
ولا شرًّا إلا حذَّرها منه، فإنه - سبحانه - بعلمِه وحكمتِه
قد أحاطَ ضروريات دين الأمة وحاجياتها وتحسينياتها بسياجٍ منيع،
حتى تبقَى تحت ظلٍّ وارِفٍ من الرِّضا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا،
وبمُحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - نبيًّا ورسولاً .
فحينئذٍ لا يخلُصُ إليها ما يُعكِّرُ صفوَها، أو يُقوِّضُ بُنيانَها، فلا تنهشُها أنيابُ المُتربِّصين،
ولا تجرحُها مخالِبُ الماكِرين، شريطةَ أن يشيعَ بين ذَويها روحُ الإخاء، والعدل،
والإنصاف، والإيثار، والشفقة، والتواضُع لله ثم لدينه وخلقِه.
إنها بتحصيل ذلكم - عباد الله - تنجُو من مكر أعدائِها،
وتجتمعُ كلمتُها في الذَّود عن حياضِ الأمة؛
حيث تجمعُهم كلمةُ التوحيد "لا إله إلا الله، محمدٌ رسولُ الله"،
التي لا يُدانيها لغةٌ ولا عِرقٌ ولا أرضٌ ولا لونٌ.
وإنه متى شُوهِد بين بني الأُمة أماراتُ الحُمَّى والسهر
لما يُصيبُها من لأواءَ ومِحَن وتكالُب أعدائِها،
فإن ذلكم أكبرُ دليلٍ على أنها جسدٌ واحدٌ لم تُمزِّقه أدواءُ التنافُر، ولا عِللُ الأهواء،