ومِنها: الصِّدقُ مع الله، وأخذُ الأمور بجِدٍّ وحَزمٍ، حتى يسمُو المرءُ
عن مُستنقَعِ الكسَلِ والملَلِ، وهذا الذي دعَا علِيَّ بن أبي طالِبٍ
- رضي الله عنه - أن يُواظِبَ على الذِّكرِ الذي علَّمَه له النبيُّ - صلى الله عليه وسلم –
ولفاطمة إذا أخَذَا مضجِعهما، حتى إنَّه لم يترُكه ليلةَ صِفِّين ليلةَ الحربِ والشِّدَّة.
ومما يُعينُ على البُعد عن الملَل والفُتُور: قِصَرُ الأمل وتذكُّرُ الآخرة،
وهذا مِن أعزم المُوقِظات للهِمَّة، ومِن أكبَر البواعِثِ على الإقبالِ على الله،
فيُدرِكُ المرءُ أنَّ الدنيا مزرعةٌ للآخرة، وفُرصةٌ لكَسبِ الأعمالِ الصالِحة.
كما أنَّه لا بُدَّ للمرءِ مِن دافعٍ قويٍّ يُنشِّطُه ويدفَعُه إلى عِبادةِ ربِّه، فعند
إصابة أحدِنا بالملَل وهو يُداوِمُ على صالِحِ العمل، علَيه أن يستشعِرَ قِيمةَ
ما يقُومُ به، وما له مِن الأجرِ علَيه.
فقد كان مسلَمةُ بن عبد الملك - رحمه الله - إذا أكثَرَ علَيه أصحابُ الحوائجِ،
وخشِيَ الضَّجَر، أمرَ أن يحضُر نُدماؤُه مِن أهل الأدَب، فتذاكَرُوا مكارِمَ
الأخلاق في الناسِ، وجَميلَ طرائِقِهم ومُروءَاتِهم، فيطرَبَ ويَهِيج،
ثم يقول: ائذَنوا لأصحابِ الحوائِجِ، فلا يدخُلُ علَيه أحدٌ إلا قضَى حاجتَه.
وهكذا لو أقبَلَ المرءُ على العِبادة بنفسٍ مُنشَرِحة، واستِشعارٍ لقَدرِها،
لوجَدَ لذَّةَ الطاعة وحلاوةَ الإيمان، ولعلَت همَّتُه، وقوِيَت عزيمتُه، فلم
ينفَكَّ عن العمل، ولم يغتَرَّ بطُول الأمل، ولم يطرَأ علَيه الملَل.
عن عَون بن عبدِ الله بن عُتبةَ قال: أتَينا أمَّ الدَّرداء، فتحدَّثنَا عِندها،
فقُلنا: أملَلناكِ يا أمَّ الدَّرداء، فقالَت: ما أملَلتُمُونِي، لقد طلَبتُ العِبادةَ
في كلِّ شيءٍ، فما وجَدتُ شيئًا أشفَى لنفسِي مِن مُذاكَرةِ العلمِ.
أو قالت: مِن مُذاكَرة الفِقهِ.