أما الأولى: فرذيلَةُ البُخل والشُّحِّ والأثَرَة في أبشَع صُورها،
والبخلُ ألوانٌ لا تحدُّها الأمثلة، وله دوافعُ نفسية، تختلِفُ طبيعتها وملابساتُها،
فمن ذلك:
أن بعض من ابتُلِيَ بالفقر وضيقِ ذاتِ اليد، حين يُنعِمُ عليه ربُّه بالبسطِ في الرزق،
يخشَى أن تعودَ به الأيام إلى مرارةِ الفقر وشدَّة الإملاق، فيكون الإمساكُ ديدنَه،
حتى لا يكادُ يُنفِقُ نفقةً إلا ويحسِبُ لها ألفَ حساب، فهو يكنِزُ المالَ ويحبسُه،
ويضِنُّ به حتى على نفسِه، وعلى من يعولُ من أهلِه وأولادِه.
وربما كان باعِثَ هذا الشُّحِّ الرغبةُ في جمع الثرَوَاتِ لعقبِه؛
خشيةَ أن يتركَهم عالةً يتكفَّفُون الناس،
وقد كان له في انتهاجِ نهجِ القصدِ والاعتدال الذي أوصَى به ربُّنا - سبحانه
في كتابِه بقوله:
{ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا }
[ الإسراء: 29 ].