كما أنَّ مِن منافِعِ الحجِّ - عباد الله -:
تربيةَ المرء المُسلم على أطرِ نفسِه على الإخلاصِ لله أطرًا، الإخلاصِ
والصِّدقِ الخالِيَين مِن الرِّياء والسُّمعَة؛ فإنَّ الرِّياءَ والسُّمعة ليسَا محصُورَين
في حالِ رخاءِ المرءِ وترفُّهِه، بل إنَّ مظِنَّة الرِّياء والسُّمعة في حال تفَثِه
وشعَثِه وتواضُعِه، لا يقِلُّ خطرًا ومُضِيًّا إلى النفسِ الضعيفة عمَّا سِواه.
فإنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قد حجَّ مُتجرِّدًا مِن المَخِيط في إزارٍ ورِداءٍ،
أشعَث مُتخشِّعًا، تفِثًا، راكبًا ناقته تارةً، وماشِيًا تارةً أُخرى، ومع ذلك لهَجَ
لسانُه لربِّه بما يرجُو مِنه أن يكفِيَه شرَّ هذه الآفَة، حين كان يُردِّدُ في حجِّه قائِلًا:
( اللهم حِجَّةً لا رِياءَ فيها ولا سُمعَة )؛
رواه ابن ماجَه.
حُجَّاج بيت الله الحرام:
مِن منافِعِ الحجِّ المُبارَكة: استِشعارُ المُسلمين محمَدة التيسير ورفع الحرَج،
في مُقابِل معرَّة الغلُوِّ والتنطُّع، وأثر ذلكم على واقِعِ الناسِ في دينِهم ومعاشِهم؛
فما كان اليُسرُ في شيءٍ إلا زانَه، ولا نُزِعَ مِن شيءٍ إلا شانَه.
اليُسرُ واللِّينُ والسُّهولةُ علامةُ فقهٍ وخُلُقٍ حسنٍ، تمثَّلَ ذلكم جلِيًّا في حجِّ المُصطفَى
- صلى الله عليه وسلم -، فإنَّه في جانِبِ اليُسر والتيسير ما
سُئِلَ يوم النَّحر عن شيءٍ قُدِّم ولا أُخِّر إلا قال:
( افعَل ولا حرَج )؛
رواه البخاري ومسلم.
وكان - صلواتُ الله وسلامُه عليه - يقولُ:
( نحَرتُ ههنا، ومِنَى كلُّها منحَر، فانحَرُوا في رِحالِكم، ووقَفتُ ههنا،
وعرفةُ كلُّها موقِف، ووقَفتُ ههنا، وجمعٌ كلُّها موقِف )؛
رواه مسلم.