فالقُرآنُ مُعجِزةُ النبيِّ مُحمدٍ - صلى الله عليه وسلم -،
{ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْر
ِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا
يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) قُلْ لَوْ
شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ
أَفَلَا تَعْقِلُونَ }
[يونس: 15، 16].
وهذا مِن أعظمِ دلائِلِ نبُوَّتِه - عليه الصلاة والسلام -، فقد لبِثَ في قومِه
أربعين سنةً قبل أن يُوحَى إليه، وهم يعرِفُون صِدقَه وأمانتَه، فلم يكُن
ليَذَرَ الكذِبَ على النَّاس ويكذِبَ على الله، كما قال هِرقلُ في حديثِ أبي
سُفيان الطويل.
أيها المُؤمنون:
وفي هذه السُّورة ذكَرَ اللهُ خبَرَ ثلاثةٍ مِن الرُّسُل الكِرام، وهم نُوحٌ ومُوسى
ويُونس - عليهم وعلى نبيِّنا مُحمدٍ أفضلُ الصلاةِ والسلام -،
ولما كانت السُّورةُ في إثباتِ الرسالة ناسَبَ أن يُذكَرَ هؤلاء الأنبِياء الثلاثة؛ فنُوحٌ
أولُ رسولٍ بعَثَه الله إلى أهلِ الأرضِ بعد أن وقَعُوا في الشِّرك، وكانُوا
قبل ذلك كلُّهم على التوحيد.
ورسالةُ مُوسَى - عليه السلام - أعظمُ رسالةٍ بعد القُرآن،
ولهذا يقرِنُ الله بينَهما في مواضِعَ كثيرةٍ، كقولِه تعالى:
{ فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَ
كْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ
كَافِرُونَ (48) قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ
إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }
[القصص: 48، 49].
وأما يُونس - عليه السلام -، فإنَّه نبيٌّ كريمٌ بعثَه الله إلى أهل نَينَوَى،
فلما كذَّبُوه لم يصبِر، وذهبَ مُغاضِبًا، فقال الله لنبيِّه مُحمدٍ - صلى الله
عليه وسلم -:
{ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ }
[القلم: 48].