{ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا
وَكَانُوا يَتَّقُونَ }
[يونس: 62، 63].
عباد الله:
إنَّ الزمانَ يدُورُ كما تدُورُ الرَّحَى، عشِيَّةٌ تمضِي وتأتِي بُكرة، والناسُ فيه
بين مُقِلٍّ ومُكثِر، وكادِحٍ وراقِد، وجادٍّ وهازِل، فبائِعٌ نفسَه فمُعتِقُها أو مُوبِقُها.
والسعيدُ منهم مَن عرَفَ حظَّه مِن مواسِمِه فاغتنَمَها، وشمَّر عن ساعِدِ
الجِدِّ وما فرَّطَ فيها؛ فإنَّ في مواسِم الخيرات لمربَحًا ومغنَمًا، وفي أوقاتِ
البركات والنَّفَحات لطريقًا إلى الله وسُلَّمًا، يُوفَّقُ إليها السَّاعُون المُجِدُّون،
ويُذادُ عنها الكسُولُون القَعَدة، والزمنُ إبَّان ذلكم كلِّه وحِيُّ التقضِّي،
بطيءُ الرُّجوع، مَن فرَّطَ في لحظةٍ منه فلن يُدرِكَها مرةً أخرى؛ لأن
ما مضَى فات، والمُؤمَّل غيب، وليس للمرءِ إلا ساعتُه التي هو فيها.
فيا باغِيَ الخيرِ أقبِل .. ويا باغِيَ الشرِّ أقصِر.
إن قلوبَ البشر يعتَرِيها ما يعتَرِي غيرَها مِن عواملِ التأثير؛ فقد تصدَأ
كما يصدَأُ الحديد، وتجِفُّ كما يجِفُّ الضَّرع، وتَيبَسُ كما يَيبَسُ الزَّرع،
فهي أحوَجُ ما تكون إلى ما يُعيدُ مادَّةَ النَّماء إليها فيجلُو صدَأَها،
ويُدِرُّ جفافَها، ويُنبِتُ يَبَسَها.
فإن النفسَ قد تلهُو مع زِحام الأيام وكَدحِها، حتى تتراكَمَ عليها الشواغِل،
فتحجِزَها عن مُقوِّمات التَّصفِية والتَّخلِية، فضلًا عن شَحذِها وتحلِيَتها.