وكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ في فاتِحةِ خُطبِه:
( ونعوذُ باللهِ مِن شُرورِ أنفُسِنا )؛
رواه الترمذي.
فلا مناصَ مِن إصلاحِها، والله يُحبُّ لعبادِه ذلك؛ قال تعالى:
{ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ }
[المائدة: 6].
أي: بواطِنَكم وظواهِرَكم.
ولعظيمِ أمرِ تزكِية النُّفوس كانت إحدَى مقاصِدِ بِعثةِ الرُّسُل –
عليهم السلام -؛ فإبراهيمُ وإسماعيل - عليهما السلام - دعَوَا اللهَ
أن يبعَثَ في هذه الأمةِ رسولًا منهم يُزكِّيهم، فقال:
{ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ }
[البقرة: 129].
ومُوسى - عليه السلام - أرسَلَه الله إلى فِرعون وقال له:
{ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى }
[النازعات: 17، 18].
وبعَثَ الله نبيَّنا مُحمدًا - صلى الله عليه وسلم - مُزكِّيًا للعباد؛
قال - سبحانه -:
{ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ }
[الجمعة: 2].
وبذلك امتَنَّ الله على عبادِه المُؤمنين فقال:
{ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو
عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ }
[آل عمران: 164].
والدَّاعِيةُ يدعُو النَّاسَ إلى الله وإن دَنَت منزلتُهم؛ طمعًا في تزكيتِهم
وهدايتِهم؛ قال - عزَّ وجل -:
{ عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى }
[عبس: 1- 3].
والفلاحُ كلُّه إنَّما هو في تزكِية النَّفس، والخَيبةُ والخسارةُ في عدمِها،
وعلى هذا أقسَمَ الله أطوَلَ قسَمٍ في كتابِه، ثم قال:
{ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا }
[الشمس: 9، 10].
قال قتادةُ - رحمه الله -:
قد أفلَحَ مَن زكَّى نفسَه بطاعةِ الله وصالِحِ الأعمالِ .
وهذا ما أجمَعَت عليه الرِّسالاتُ؛ قال - سبحانه -:
{ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ
الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ
الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى }
[الأعلى: 14- 19].