{ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ *
لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ }
[عبس: 34- 37]
فأعِدُّوا لهذا اليوم عُدَّتَه، وخذُوا له أُهبَتَه. فمن صدَقَ يقينُه جدَّ،
ومن علِمَ قُربَ الغايةِ استعدَّ
عبادَ الله :
إنَّ إشراقَ شمسِ شهرِ اللهِ المُحَرَّم هو مطلعُ عامٍ جديدٍ ،
وبدايةُ مرحلةٍ من مراحِلِ العمر، تبعثُ على السعادةِ والغِبطَة، وتُشيعُ السُّرورَ
في جنَبَاتِ النفس، أن منَّ الله على عبده، فأمدَّ له في أجَلِه، وأطالَ في عُمُره،
حتى أدرَكَ ما قعَدَ بغيره الأجلُ عن إدراكِه، وحظِيَ بما حُرِمَ منه من أمسى رَهِينَ قبره،
من أهلِه وإخوانِه وأحبَّته وعُشرائِه.
وتلكَ نعمةٌ ما أجلَّها، ومنَّةٌ ما أعظَمَها، وما أعظمَ حقَّ المُنعِم بها - سبحانه -
في وجوبِ الشُّكرِ له عليها، باغتِنام فُرصَتها لاستِصلاحِ ما فسَد، وتدارُكِ ما فاتَ،
واستِكمالِ ما نقَص، بالسعيِ إلى التَّرقِّي في مدارجِ الباقياتِ الصالحات،
واستِباقِ الخيرات.
وإن خيرَ ما يقَعُ به الشُّكرُ لله ربِّ العالمين المُنعِم بهذا الإمدادِ والفُسحةِ في الأجل:
أن يبدأُ المسلمُ عامَه بالصيام التي تُرَوَّضُ فيه النفسُ على كبحِ جِماحِها
إزاءَ الشهوات المُحرَّمة، والنَّزَواتِ والشطَحَات، وتسمُو به لبلوغِ
الكمالاتِ الروحية، وتغدُو به أقربَ إلى كلِّ خيرٍ يُحبُّه الله ويرضَاه،
وأبعَدَ عن كلِّ شرٍّ حذَّر منه ونهى عنه.
وإنَّ للصيام في هذا الشهر - يا عباد الله - مزِيَّةً وفضلًا عظيمًا،
أخبَرَ عنه رسولُ الهُدى - صلواتُ الله وسلامُه عليه -،
بقوله في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلمُ بن الحجاج رحمه الله في صحيحه،