ولقد أبدعَ المُسلمون الأوائِلُ في الحضارة والتقدُّم والرُّقِيِّ؛ لاكتِشافهم هذه السُّنن،
ولحُسن تعامُلهم معها والاستِفادة منها، فلما تخلَّوا عن ذلك،
وغفَلَت الأجيالُ المُتعاقِبةُ عن سُنن الله، ولم يُحسِنُوا التعامُلَ معها،
جاءَت الأُمم الأُخرى فأمسَكَت بناصِيةِ الحضارة والقوَّة،
مُستفيدةً من علومِ المُسلمين وتجاربِهم، واكتِشافهم سُنن الله في الكَون والحياة،
فعمِلُوا على وفقِ هذه السُّنن الربَّانيَّة، فاستحَقُّوا طرَفًا من العطاء الربَّانيِّ المفتُوح
لكلِّ من وافَقَ هذه السُّنن، وأحسنَ الاستِفادةَ منها،
{ كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا }
[ الإسراء: 20 ].
ولكن - يا عباد الله - هذا الفتحُ الدنيويُّ الذي ترَونَه قد فُتِح عليهم،
وأُغدِقَت عليهم فيه النِّعَم، وهم بعِيدُون عن الله، قد غرِقُوا في الشَّهوات واللذَّات،
إنما هو في الحقيقةِ فَتحٌ ماديٌّ أجوَفُ، قد خلَا من البركة والطُّمأنينة ورِضا الله،
وهو يجرِي أيضًا وفقَ سُنَّة الاستِدراجِ والإملاء والإمهال،
كما قال ربُّنا - سبحانه -:
{ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا
أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ
فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }
[ الأنعام: 44، 45 ].